بقلم أليس براغ (Alice Bragg)

أنا في شقة مارك اليسون الإبن (Mark Ellison Jr) في منطقة ويلسدون غرين (Willesden Green) بلندن. إنه صباح يوم الأحد و قد قام مارك بإعداد إبريق ضخم من القهوة. مارك من مدينة أثينز (Athens) بولاية جورجيا الأمريكية. يصب لي كوباً و بلهجته الجنوبية المنمقة الكسولة يسألني: “حسناً، سنغير العالم بصناعة الأفلام على الهواتف المحمولة، إذن؟”
“هذا صحيح.” جاوبته.
“عظيم.” يناولني الكوب.
مارك و أنا كنا قد إنتهينا للتو من دراسة سياسة الشرق الأوسط في كلية الدراسات الشرقية و الأفريقية (SOAS) بجامعة لندن (University of London). في ذلك الوقت كنت قد أعددت رسالة تخرجي عن إستخدام فن المسرح كأداة سياسية، و إخترت فلسطين و إسرائيل كمثال للتوضيح و التطبيق. أثناء فترة بحثي في فلسطين قابلت نضال.
“لن تنجحي في صناعة فيلم على هاتف محمول!” يُصرِح نضال و نحن جالسون في الشرفة الأمامية لبيت عائلته في مدينة بيت لحم. يأخذ نفساً عميقاً من ليّ الشيشة ثم يناولني إياها.

و لكن يمكنك أن تصور فيلم فيديو بإستخدام الكاميرا الخاصة بالهاتف المحمول

“و لكن يمكنك أن تصور فيلم فيديو بإستخدام الكاميرا الخاصة بالهاتف المحمول؟” أشرح و أنا أرفع اللّي لشفتيّ، “و يمكنك أن تنقل الملفات من الهاتف إلى جهاز الكومبيوتر” أضيف. “إذن، منطقياً، يمكنك أن تُمنتِج هذه الملفات كذلك، أليس صحيحاً؟”
“أليييييس! لن تُفتح هذه الملفات في برنامج المونتاج!” تفور حرارة نضال الشرق أوسطية للحظة، كنارٍ تهب فجأة في مقلاة شديدة السخونة، ثم تسكن.
يسود الهدوء بينما يعيد ترتيب قطع الحجر المرصوصة على ورق الألومنيوم أعلى تبغ التفاح. لا أستسلم.
“و لكن يمكنك تحويل الملفات لصيغة أخرى حتى تستطيع إستخدام برنامج المونتاج، أليس كذلك؟”
يفكر نضال، يدس اللّي المطاطي تحت كوعه و يعقد ذراعيه باقياً على الطرف في فمه. يزفر في تأمل.
“نعم…” يقول متمهلاً بصوته الجَهور بلكنته العربية. “يمكنك…”
“إذاً فلنفعل -“ أقول مسرعة “بإستخدام برامج تحويل مجانية. يمكنك أن تعثر عليها”.
“أحضري جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي” يأمر نضال، و قد غلبت العزيمة الإحساس بالهزيمة.
أُحضِره. يضع لّي الشيشة بجانبه و تبدأ عملية البحث.

تجلس فينيسا (Vanessa) أمامي في مقهى بغرب لندن. تنظر اليّ بتركيز بينما أشرح لها الفكرة.  تُمضي فينيسا أيام قليلة في لندن، فهي في طريقها لمدينة باريس لزيارة رفيقها. فينيسا من البرازيل. ولدت و ترعرعت بمدينة ريو دي جينيرو. تقابلنا أثناء تدريسها التمثيل لأطفال المساكن العشوائية الفقيرة كجزء من مشروع في مجال حقوق الإنسان.

“تااا” تومئ برأسها ببطء “إستخدام الهواااتف المحمولة لصناعة الأفلاااام”
“نعم” أقول مُلَخِصة “حتى يتمكنوا من سرد حكايتهم و أن يكون لهم تواجد بالإعلام”.
“حسسننناً” تمُط فينيسا معظم الكلمات و تنهي الجمل بقهقهة. “هذه فيييكرة جيدة” تقوس حاجبيها بأسلوب جدي ليس من طبعها “حتى يتمكن الناس من التعبير عن مشاعرهم -“
“نعم” أقاطعها.
“و عمّا يحدث في مجتمعاتهم” تضيف.
“بالظبط” أجاوب.
“و يمكنهم بذلك كسب المااااال؟” تسأل.
أنظر إليها عبر المنضدة بإرتباك. “حسناً… هذا جزء من الفكرة” وأتلعثم.
تظهر إبتسامتها اللؤلؤية بكرم “كسب المااااال هو الجزء الصعب، أليس صحيحاً؟” و تجلجل قهقهتها.

جنوب أفريقيا كانت المكان الأول الذي قدمت فية منظمة WFC برنامج تدريبي. ذلك بفضل جيري فوكس (Gerry Fox)، أحد رُعاتنا و متبرع كريم لمنظمتنا الخيرية.

أثناء البرنامج التدريبي في كايب تاون تعرفت على سيمسيليل كاليماشي (Simcelile Kalimashe) المعروف ب’سيمي’. كان سيمي يأمل بأن يصبح صانع للأفلام م لكن لم تتوفر له الإمكانيات ليدرس بمعهد السينما فوجد في WFC فرصته.

بعد نجاح البرنامج في ٢٠٠٨، عادت منظمة WFC إلى مدينة كايب تاون في ٢٠٠٩. ترك ذلك إنطباعاً عظيماً في نفس سيمسيليل. لقد قمنا بتنفيذ وعدنا و عُدنا. هذه المرة كان البرنامج عن الأفلام الوثائقية القصيرة، عرض أحد هذه الأفلام لمحة عن الأحوال البائسة القاسية لوسائل المواصلات التي تربط مركز مدينة كايب تاون بالمقاطعات العشوائية المُعدمة حيث يقطن الأغلبية من السكان السود و المعروفة بمقاطعات التاونشيب (townships). قُبل هذا الفيلم في مهرجان بوكيت فيلم العالمي بباريس (Pocket Film Festival).كان الفيلم من إخراج شابة رائعة أسمها نولوفيفي ميّكي (Nolufefe Myeki).

بفضل تبرع من جهة خاصة تمكننا من جذب جو مينيل (Joe Menell) و شريكه ريتشارد ميلز (Richard Mills) ليُدرسا البرنامج. كان جو قد أخرج الفيلم الوثائقي المؤثر عن حياة الزعيم نيلسون مانديلا بعد إطلاق صراحه من السجن، ثم أصبح جو بمثابة نجم في مقاطعات التاونشيب بسبب عرض فيلمه الأخير ’ستريت توك’ (Street Talk) على قناة التليفزيون المحلية ’سي تي في’ (CTV). عرفني جو على شيلي باري (Shelley Barry)، رئيسة قسم البرمجة في قناة CTV و من أكرم الناس التي عرفتها. و بمرور الوقت بدأت WFC بصناعة مادة عرض للقناة.

و بأثناء هذة الزيارة بدأت WFC ب تدريب المعلمين، الذي أصبح جزء من المنهجية التي تم تأسيسها بمشاركة جيسيكا روز مورجان (Jessica Rose Morgan) (جيس) في لندن. جيس من خريجي برنامج الأستاذة جاين بلاستو (Jane Plastow)، ’وسائل الإعلام و التنمية’، الذي يتم تدريسه بجامعة ليدز؛ و كانت جاين من الرعاة لمنظمة WFC. بفعل مزج المعرفة الأكاديمية لدى جيس مع خبرتي العملية، أصبحنا على إقتناع أن الطريقة الوحيدة لإحداث تأثير دائم هي تزويد صناع الأفلام و ممارسي الدراما المحليين بالمهارات اللازمة. و بذلك يتمكنون من تقديم برامج، ثم دعم خريجين هذه البرامج بإنشاء شبكة علاقات في مجال صناعة الأفلام. و بدورهم يقوم طلاب منظمة WFC بتوفير فرص إبداعية لصناع الأفلام المحترفين بتمكينهم من الوصول للمجتمعات التي كانت من الصعب الإقتراب منها. بخبرتي في مجال صناعة الأفلام، لم أشعر فقط بالشرف للقدرة على الوصول داخل هذه الأماكن، و لكن كذلك بالحماس و الإلهام الإبداعي.

انضمت شيلي باري لبرنامج تدريب المدرسين في كايب تاون، كما انضم طلاب من برنامج الأفلام الوثائقية القصيرة ،و آخرين من خريجي جامعة كايب تاون الحاصلين على شهادة دبلوم الفيلم. و حضر سيمي كذلك. و أثناء الاحتفال بختام البرنامج في منزل شيلي اقترح سيمي بتطوير المنظمة للمستوى التالي. كنا نتقاسم سيجارة على شرفتها، “يمكن لمنظمة WFC التغلغل بمقاطعات التاونشيب” أعلن سيمي، و نحن ننظر عبر البيوت المبعثرة مادِّين بأبصارنا نحو البحر. “يمكن أن تُصبح حركة”.
كان لكماته مفعول السحر في نفسي.
“ماذا تحتاج؟” سألته.
تردد سيمي، فكر، ثم أخذ نفساً من السيجارة و زفر.
“أحتاج منك أن تعودي و تكرسي كل نشاطك في جنوب أفريقيا” أجاب.

يمكن لمنظمة WFC التغلغل بمقاطعات التاونشيب - يمكن أن تُصبح حركة
 
 

تأملت الفكرة. كانت WFC بالفعل أكثر استقراراً و تعمقاً في جنوب أفريقيا عن فلسطين أو البرازيل أو المملكة المتحدة. و قد بَدَأت بالفعل تمتمات بيننا بفكرة إنشاء نشاط حول فعاليات كأس العالم في العام المقبل. نظرت لسيمي.
“اسمع” بدأت “سأعطيك خمسة راندات (الراند هو العملة الرسمية بجنوب أفريقيا) . إذا بدأت بالنجاح سنقرر حينها”.
في هذا الوقت لم أكن أتخيل أبداً أنه في ظرف أقل من سنة سنكون قد أنشأنا فريق من خمسة و ثلاثون لتغطية أحداث كأس العالم في كايب تاون من وجهة نظر الشارع و سكان مقاطعات التاونشيب.

World Cup Reporters 2010

تابعنا العمل في بيت لحم، و أنشأنا برنامج للأفلام الوثائقية القصيرة ٢٠٠٩. أثناء زيارتي قمنا أنا و نضال بتدريب المحترفين في مجال الفيلم و الدراما ليكونوا مدرسين. كان نضال قد كون فريقاً مع نداء، من أعز أصدقاءه منذ الطفولة، فأصبحت نداء تدير مشاريع البرامج منذ ذلك الوقت. و حينئذ التقينا أنا و نضال بكارما النابلسي(Karma Nabulsi)، إحدى منشئين مؤسسة الأمل (Hoping Foundation) و أستاذة بجامعة أكسفورد. كانت كارما في زيارة لإحدى مشاريعها في مخيم بلاطة لللاجئين بنابلس.

وصلنا مركز يافا الثقافي قبل ميعاد إغلاق المحال بقليل. كانت نابلس تحت الحصار لعدة سنوات و كان من الصعب الدخول و الخروج. لكن الحصار كان قد انتهى و كان نضال متحماساً لشراء الكنافة لأخذها لعائلته في بيت لحم. كنا أنا و كارما ندخن و نشرب القهوة من أكواب بلاستيكية أثناء استماعها بتركيز لشرح نضال لطبيعة نشاطنا و أسباب أهميته.  عَرَفتنا كارما على فايز عرفات (Fayaz Arafat) مدير مركز يافا الثقافي، و أخبرنا بطبيعة نشاط الشباب بالمركز. كان اجتماعاً ناجحاً و قررنا التعاون. في طريق عودتنا إلى بيت لحم سألنا جندي عند نقطة التفتيش عن محتويات الصندوق الأبيض الكبير الموضوع على المقعد الخلفي.

“كنافة!” أعلن نضال بفرح.
أُثار فضول الجندي الشاب.
“أيمكنني الحصول على القليل؟” قال مازحاً.
“نعم! خذ!” أجاب نضال، فخوراً بامتلاكه لأفخر أنواع الكنافة في الضفة الغربية.
ثم حلت لحظة غريبة و محرجة حيث لم يعرف أحد منا ما العمل الآن. مشاعر الأخوة الإنسانية المشرقة سرعان ما تبددت بالسياسة و الصراع على السلطة و الوضع المأساوي الحالي.

قدمت منظمة WFC برنامجين في مخيم بلاطة لللاجئين، واحد للأفلام الخيالية القصيرة و الآخر للأفلام الوثائقية القصيرة، الاثنان قام نضال بتدريسهما، و نداء بإدارتهما. و أثناء هذا الوقت بدأت نداء بالتواصل مع رئيس المجلس الثقافي البريطاني بفلسطين و مع مؤسسة عبد المحسن القطان، لتطوير برامجنا و نشرها في أنحاء الضفة الغربية.

في ريو بدأنا العمل في عشوائية تسمى مورو دوس برازيريس (Moro Dos Prazeres)، و التي تترجم تقريباً لمفهوم ’تل المتعة’. قابلت كلاوديا (Claudia)، التي كانت تقدم حصص الدراما، من خلال أحد طلابها و يدعى شامبو (Shampoo). كان شامبو موسيقي من ساو باولو و قد انتقل إلى ريو لتطوير مهنته. كان يُأجر مسكن في المنطقة العشوائية، كمثله من الشباب البرازيلي الذي كان يكافح و يصل، بعد صبر، للطبقة الوسطى. قدمت منظمة WFC برنامجين في مورو ديس برازيريس. الأول برنامج للأفلام الخيالية القصيرة و الثاني للأفلام الوثائقية.

أما في لندن فكانت روكسي هولمان (Roxy Holman) تبحث على مجموعة لنعمل معها. قابلتُ روكسي أثناء تعليم صناعة الأفلام لتلامذة مدارس بمركز المدينة. شاهدنا معاً كيف كان لذلك أثراً إيجابياً على الثقة بالنفس و المقدرة على إيجاد الحلول للمشاكل اليومية. تضع روكسي الكحل الأسود، ينتشر النمش على وجهها، و تستطيع أن تقوم بالمهام الصعبة. بعد القليل من البحث اكتشفت أيب-ميديا (Ape-Media)، منظمة شبابية تعمل مع الأطفال المهددين بالطرد من المدارس. تستخدم منظمة أيب فصول الدراما و الموسيقى لتحبيب الشباب بالتعليم و استقطابهم. تريفور (Trevor) كان مدير أيب-ميديا، و كان رائعاً. وافق على التعاون مع WFC لإنشاء مشروع في مدرسة بشرق لندن. قمت بتدريس الفصل مع نغوني (Ngoni) من أيب-ميديا و شازية الرحمن (Shazia Ur-Rahman)، التي قمنا أنا و جيس مورجان باستقطابها من الموقع الالكتروني لمجلس الفنون.

بمنحة من الحكومة استطاعت WFC تقديم برنامج للافلام الوثائقية القصيرة في الفصل التالي. بإعطائهم التفويض المطلق لصناعة فيلم عن أي موضوع يختارونه كان قرار الصبيان بالذات واضحاً و محدداً، و هو أمر الإيقاف و التفتيش الذي تمارسه الشرطة. أمر الإيقاف و التفتيش جزء ثابت في حياتهم و يبعث في نفسهم الكثير من الغضب و الضيق. و بعد مرور عامان استجابت WFC لأحداث شغب الشباب التي انتشرت في أنحاء بريطانيا و ذلك بتقديم برنامج لدراسة الأسباب وراء هذه الأحداث. من الأسباب الرئيسية الأربعة التي قام الشباب بتحديدها، كان أمر الإيقاف و التفتيش أهمها و أبرزها.

whatwevedone
 
 

قامت مجموعة التلامذة من إنشاء شعار و موقع الكتروني للمشروع. دزولا جولدسميث (Dzola Goldsmith)، وهو شاباً تعرفنا عليه من خلال مشروع صندوق ائتمان الأمير (Prince’s Trust) (الذي قمنا بالتعاون معه في مشاريع أحداث الشغب)، هو الذي ابتكر الاسم: “ما فعلناه”.

من الصعب دائماً تمويل منظمة خيرية. كنا سعداء الحظ. في البداية الأولى تبرعت والدتي، كايت هايست (Cate Haste)، بالبذرة المالية التي مكنتنا من إنشاء أولى مشاريعنا في جنوب أفريقيا، البرازيل، فلسطين و لندن. و عندما أثبتنا قدرتنا وافق مايلز مورلند (Miles Morland)، مستثمر ريادي في أفريقيا، على التبرع بمبلغ ٢٥,٠٠٠ جنيه استرليني لمنظمة WFC بشرط أن نعادلها ب٢٥,٠٠٠ أخرى. ففعلنا.

إستمرت مجهوداتنا في التزايد لتحريك المنظمة في الاتجاه التجاري لتأمين دوامها. بدء المشوار في جنوب أفريقيا. و بعد نجاح مشروع كأس العالم ، طلبت مننا سيدة الأعمال إيما كاي (Emma Kaye) بانتاج أفلام قصيرة طول كل منها دقيقة واحدة لعرضها على موقع كانت تطوره على شبكة التواصل الاجتماعي الأكبر بجنوب أفريقيا، مكسيت (Mxit). أنشأ الفريق الشعار التجاري موبيكس (Mopix) و بدأنا بإعداد تلك الأفلام و إضافتها على الموقع. كانت الفكرة قائمة على تحصيل مبلغ مالي مقابل كل عملية تحميل و بذلك يدفع مستخدمي الموقع مبالغ بسيطة لمشاهدة كل فيلم. كما كان هناك بعض المنتجات الإضافية كخلفيات للشاشة و شاشات التوقف تُظهر صوراً لأعضاء فريق العمل، و من المثير أن الإقبال عليها كان أشد من على الأفلام. لم تكن تقنية الهواتف المحمولة متقدمة بالشكل الكافي في ٢٠١٠ لإتاحة الفرد المتوسط مشاهدة الأفلام بسهولة عليها؛ الثمن البسيط لكل عملية تحميل لفيلم معناه أن الربح يصبح ملموساً فقط في حال قرر الآلاف و الآلاف من الأشخاص تحميل الأفلام.

بالرغم من كون الربح في غاية الضآلة و لكن مجموعة الأفلام كانت حقاً عظيمة. وافق القسيس الذي كان يأجر لنا قاعة الكنيسة بمنطقة كاياليتشا لمشروع كأس العالم بأن يستمر في التأجير مقابل المبلغ الرمزي الذي كان يطلبه. أصبحت القاعة مكتب إنتاجنا، و على حد علمنا كنا شركة الإنتاج الأولى و الوحيدة في مقاطعة التاونشيب كاياليتشا. كان سيمي من أعضاء الفريق، كما
كانوا نتومبي (Ntombi) أكونا (Akhona) بيليزا (Pelisa) منديل (Mendile) سبوزاكي (Spokazi) بورا (Bora) و مانيز (Manez).

من الحين إلى الآخر كانت تأخذنا فرص التمويل في اتجاهات غير متوقعة. و هذا ما حدث للبرنامج الذي قدمناه في روسيا، و الذي كان مكَلفاً من قبل ’راشين سينتوري’ (Russian Century)، مؤسسة ملك مارينا غوتشارينكو (Marina Goncharenko) و زوجها، و هما من فاعلي الخير. كانت المؤسسة تدعم ملجأ أيتام في كالوجا (Kaluga)، جنوب موسكو، و اقترحت مارينا تقديم برنامج هناك. لوسي كابيل (Lucie Capel)، صديقتي القديمة من أيام العمل بالمسرح القومي للشباب و هي تتحدث الروسية بطلاقة، ذهبت بالفعل و قدمت للأطفال برنامج تدريب على الأفلام الخيالية القصيرة. كما نجحت في استقطاب صانع الأفلام جيدادي فاديڤ (Geddadii Fadeev) الساكن بموسكو، ليساعدها و الأطفال على صناعة فيلم قصير عنوانه “الصيد” (Fishing).

أما في جنوب أفريقيا فوافقت مؤسسة كايب فيلم كوميشين (Cape Film Commission) على تمويل برنامج تدريبي لصقل مهارات صناع الأفلام من القاعدة الشعبية. الحصيلة كانت سلسلة من الأفلام عنوانها “هل تريد أن تعرفني؟” أو Uyafun’undazi باللغة المحلية. كل حلقة مدتها ١٢ دقيقة تناولت تفصيلة شائعة بمقاطعات التاونشيب و عرضت نبذة عن حياة شخص يعيش في تلك الظروف. النتيجة كانت لا تصدق!

كان أمل منظمة WFC التمكن من بيع هذه السلسلة من الأفلام لقناة محلية جنوب أفريقية، و لكن ام نتلقى أية عروض. كانت ميغان كرامبتون (Megan Crampton) هي من أدارت البرنامج. كنت قد قابلتها في جوهانسبورج حين كانت تعمل كمنتجة و مخرجة و ممنتجة مستقلة. إذا كان باستطاعة أي شخص القيام ببيع هذة السلسلة فستكون ميغان بالتأكيد. و لكنها لم تُباع. و مع ذلك تمكنت حلقة من هذه الأفلام تتناول قصة شابة تيتمت بسبب مرض الإيدز و فازت بمسابقة ملكة جمال مقاطعة كاياليتشا، تمكنت الحلقة من جذب انتباه مجلة غلامور الشهيرة و التي كتبت مقالة لتعرض قصة الشابة. كانت هذه المرة الأولى التي عُرضت فيها سيرة امرأة من مقاطعات التاونشيب على صفحات المجلة.

في ٢٠١٢، أثناء ما كانت WFC تعرض الجزء الثاني من ’هذا ما فعلناه’، و كان مشروعنا يبحث أسباب الشغب الشبابي الواقع ببريطانيا، بدأت حينئذ التواصل مع العاملين بالدوري الممتاز بالمملكة المتحدة لمناقشة إمكانية بدء مشروع. البرنامج المقترح كان سيكون بالتعاون مع غراسروتس سوكر (Grassroots Soccer)، منظمة رائعة تستخدم كرة القدم لتعليم رسائل الوقاية من فيروس نقص المناعة المكتسبة لشباب من المناطق المهمشة بالعالم. كان التفاعل ملموساً. و قررنا الاندماج. أنشأت برنامج تدريب مدته ثلاثة أشهر يجمع ما بين منهج غراسروتس سوكر و منهج WFC و بذلك يُمكن المشاركين بالبدء بتكوين حملاتهم المختارة.

من الصعب شرح احساس الانجاز عندما يبدأ صناع الأفلام من القاعدة الشعبية الذين كانوا من المشاركين كطلاب في برنامجك بتناول المواضيع القاسية و تسليط الضوء عليها. صراحتهم الشبابية مع ردود أفعال الأفراد في المجتمع ـ الذين لا يكونون متربصين بحذر و لكن يكونون بالفعل يريدون تقديم المساعدة – كل ذلك يولد شعوراً مثيراً. كشخص غريب عن هذه البيئة فقد تعلمت الكثير عن الفيروس من هذا البرنامج. لقد مدتني هذه التجربة بفرصة عظيمة لتكوين لمحة عميقة عما يمرون به. فرصة الرؤية من خلال مشاعر و مدارك و ثقافة مجتمع يكافح بصعوبة ليتأقلم مع وباءً مستمر يُضعف أفراد عائلاتهم، يُيَتم أصدقائهم و جيرانهم، و مع ذلك يستمر في كونه من المواضيع المحظورة تناولها.

سعدت لرؤية هذا الجانب من التفاعل الشبابي يُأخذ بصورة جدية كموضوع للبحث في مؤسسات كجامعة هارفرد. هيلين هايست (Helen Haste)، و هي أستاذة جامعية بكلية التعليم بهارفرد و من مشجعين WFC منذ زمن طويل، تشرح في الفيديو التالي أهمية نشاطنا كجزء من الصورة الأكبر.

kaltcha-pioneers-LOGO

أنشأ الطلاب الثمانية عشر الأصليين ببرنامجنا مع غراسروتس سوكر فرقة أسموها ’كالتشا بيونيرز’ (Kaltcha Pioneers) أو ’رواد كالتشا’ (كالتشا هنا مختصر لكاياليتشا) و اختاروا “التصوير من أجل المستقبل” كشعاراً لهم. و تحت هذا المسمى استخدمت الفرقة الصيغ المُدرسة في منهج البرنامج و النتيجة كانت أفلام في غاية الروعة.

في هذا الوقت كان تليفزيون كايب تاون قد تعرف على نشاطنا و طلب مننا عرض سلسلة أفلام ’رواد كالتشا’ في الفترة السابقة ليوم الأيدز العالمي. إتصلت بتوم ميسيت (Tom Messett) في نوكيا (Nokia) و وافق على رعاية المسلسل مادياً. عدد من المجموعة الأصلية تم اختيارهم لإنتاج المسلسل تحت نفس الإسم ’رواد كالتشا’. و باستخدام نفس الصيغ و نسخ مطورة منها تمكن الفريق من إنتاج تشكيلة أفلام قصيرة لقناة سي تي فيCTV. و حينئذ أصبحت رسالة الحملة واضحة: ’حَلِل! إعرف حالتك!’

تأثرت مكسيت أيضاً بنجاح حملة ’رواد كالتشا’ و قدموا موقع لمشاهدة الأفلام على شبكتهم المصممة للتواصل الاجتماعي. لم تُفوت فرقة ’رواد كالتشا’ الفرصة و قدمت حملة أخرى في الفترة السابقة ليوم عيد الحب تحت شعار ’حِب رفيقك، إعرف حالتك’. كان رد الفعل أكبر مما كان متوقع. بالإضافة الى مناقشات عميقة و مفتوحة على الفايسبوك، رداً على أسئلة مطروحة مثل ’لماذا يخفي الناس حالتهم بالنسبة لفيروس نقص المناعة المكتسبة عن رفقائهم؟’ و ’ما الذي تتوقعه من العلاقة؟’ (و قد قامت إدارة فايسبوك بحذف الكثير من الردود…!)، فقد أعطى موقع مكسيت مساحة و مجال للناس ليعبروا بحرية عن تجربة العيش مع الفيروس. و لذلك فقد تواصل الفريق مع مجموعة دعم معنوي على الانترنت و أصبحوا يُوجهون الأشخاص الذين يطلبون المساعدة لهذه المجموعة. كانت تعبئة مذهلة، تنطلق من أفراد من داخل المجتمع لمساعدة آخرين من داخل المجتمع. كان لدينا أمل ان تتبنى الحملة منظمة أكبر للتوعية بالفيروس و تدفعها للمستوى الأوسع و لكن للأسف لم يحدث ذلك.

جائت فرصتنا العظيمة بجنوب أفريقيا بعد مرور سنة عندما وافق موندي توالا (Monde Twala)، رئيس البرمجة بقناة إي تي في eTV (و هي قناة تجارية بجنوب أفريقيا) على التقدم بطلبية لسلسلة من الحلقات القصيرة لقناتهم الجديدة eKasi+.

هذه الأفلام القصيرة، مدة الواحدة ٥ دقائق،ألقت ضوءاً جديداً على مقاطعات التاونشيب، عارضة لأحداث مثيرة بالمجتمعات، كالأنباء عن آخر الفرق الموسيقية، مهرجانات الفن، رواد العمل بمجال الموضة و الأزياء، المشاريع التجارية المستقلة كأكشاك مطاعم الوجبات الخفيفة، سائقي الدراجات من سكان المقاطعات، و الشخصيات اللامعة في الملاهي الليلية. إعادة تشكيل رؤية الناس للمجتمعات المهمشة من خلال إنتاج و إذاعة مواد إعلامية مصنوعة من قبل الأفراد الذين يسكنون و يعملون بهذه المجتمعات هو غاية منظمة WFC منذ البداية. و بهذه السلسلة تمكنا من الوصول لهذه الغاية.

 
 

في ريو دي جينيرو كانت فينيسا تعمل على إنشاء برنامج لتغطية كأس العالم ٢٠١٤ من وجهة نظر الشارع و العشوائيات الفقيرة.
تم استقطاب مدرسين من الدورات التي كنا قد نظمناها في ٢٠٠٩ مع سينما نوسو (Cinema Nosso) مدرسة فيلم لاطفال العشوائيات أسسها المخرج فيرناندو ميريليس (Fernando Meirelles) بعد عرض فيلمه ’مدينة الله’ أو سيتي أوف جود ’City of God’ الحاصل على جوائز عدة.

أما في لندن، كان الوعي عن أزمة اللاجئيين في تصاعد نتيجة تزايد أعداد الأشخاص الذين كانوا يزورون ’مخيم الغابة’ بكاليه و كانوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لتسجيل و عرض ما كانوا يشاهدونه. بعد فترة من التفكير قررنا تقديم برنامج في مخيم الغابة لتمكين الأشخاص الموجودين بالداخل من تغطية الأحداث من وجهة نظرهم. أطلقنا إسم ’كاليه تتحدث’ على المشروع و قدمناه على فترة أسبوع في شهر سبتمبر ٢٠١٥. أغلبية المشاركين بالبرنامج كانوا من سوريا، و قدمت الأفلام نظرة عميقة لجوانب عديدة من الحياة بالمخيم، من تقدييم الخدمات، للأمن و المجتمع.
نأمل بتقدييم برنامج مطابق في كاليه مرة أخرى , كذلك بمخيم جراند سينث بدنكيرك (Grande-Synthe, Dunkirk)، بالإضافة لتجمعات أخرى لللاجئين بشتى أنحاء أوروبا مع تصاعد الأزمة.

المتبرعين لمنظمة WFC كانوا في غاية الكرم عبر السنوات الماضية، و لكن للأسف لم تستطع المنظمة الإستفادة من نشاطها تجارياً. بإطلاق موقعنا على الانترنت، بما فيه من موارد تعليمية و أفلام في الأرشيف، نأمل بتشجيع صناع الأفلام، و مديري المشاريع، و العمال الشباب، و الأكاديميين، و أي شخص مهتم بأن يكون صانع أفلام من القاعدة الشعبية، بأن يستخدم الهاتف المحمول لسرد القصص. من صميم مبادئ منظمة WFC إيمانها بأن البشر يفهمون العالم و أنفسهم و بعضهم البعض من خلال القصص و الحكايات. القدرة على سرد قصة هي القدرة على تغيير وجهة نظر شخص آخر. خلق قصص مشتركة يُمَكننا من التواصل مع أشخاص لا نعرفهم و قد لا نقابلهم أبداً.هدف المنظمة هو تكوين الروابط بين البشر، فكلما كثرت القصص كلما كان ذلك أفضل. كُن جزءاً من الحكاية!